Thursday, October 25, 2007

التفكيكية


أن كتابة أي مقال أكاديمي تحتاج إلى وضع تعاريف و قواعد و أصول، بينما التفكيكة في روحها و فلسفتها ترفض هذه التعاريف و القواعد و الأصول، و تعمل تكنيكاتها العديدة لزعزعة الأسس الميتافيزيقية لكل ما هو ثابتٌ و مُطلق. التفكيكية أداة شرسة، لا تهاجم الفلسفة و الحضارة الإنسانية و حسب، و إنما تهاجم نفسها أيضاً، بصفتها نصاً من النصوص. لهذا السبب كان دريدا يتجنب أن يضعَ تعريفاً لها، و لهذا السبب كان لا يضيع وقته في شرحها، و إنما يستخدمها كي يهز بها الأسس الميتافيزيقية لبقية النصوص، كان يخشى أن يهاجم نفسَه بنفسِه!
أذن سأشرح التفكيكية ثمَ بعد أن أتحدث و أوضح، سيعرف القارئ ماهي التفكيكة .
الفكرة الأساسية للمدرسة التفكيكية هي أنها تنظر إلى الثقافة و الفلسفة الإنسانية كنصوص texts . القصة نص، و القصيدة نص، و الكتاب الفلسفي نصّ، و اللوحة نصّ، و المبنى المعماري نصّ.. لقد حفظت الحضارة الإنسانية و انتقلت على شكل ملايين النصوص. المدرسة التفكيكية تنظر إلى الكتابة كشكلٍ أدنى من أشكال إيصال المعنى، و تفضل عليها الصوت voice ، تبعاً لميتافيزيقيا الحضور the metaphysics of presnce.

عندما تتحدثُ مع شخص، فإنه يمكنه أن يتعاطى معك، و أن يجيب أسئلتك، و أن يصحح من فهمك لكلامه. هذا الشئ لا يحدث مع النصوص. عندما تقرأ نصاً، فإنك تضيف إليه المعنى الذي تفهمه، و هو ليس بالضرورة نفسَ المعنى الذي أراده كاتب النص. لهذا السبب، كانت الحضارة الغربية تفضل الصوت على الكتابة كأداةِ إيصالٍ للمعنى، الصوتُ حالةُ حضور، بينما الكتابة حالةُ غياب. الحقيقة في الحضور، أكثر منها في الغياب. هذا المنهج السائد الذي يُفضل الصوت على الكتابة يُطلق عليه في الأدبيات التفكيكية "التمركز الصوتي" phonocentrism .

عندما تقرأ نصاً ما، سواء أكان نصاً أدبياً أو فلسفياً أو حتى لوحة، ابحث عن المتضادات الثنائية binary concepts و اظهرها للعيان. من سياق النصّ، ستجد أن هناك تحيزاً لأحد هذين المتضادين، و ذلك عائد إلى أسس ثقافية و معرفية عامة، ربطها دريدا بميتافيزيقيا الحضور كما أوضحتُ سابقاً. كل ما عليك الآن هو أن تُحدثَ عملية التبديل the switch ! كيف يمكنكَ عمل هذا؟ أدخل عامل عدم اليقين undecidability في اللعبة الثنائية بين المصطلحين المتناقضين. إن كان النصّ يتحيز للأبيض، أبحث فيه عن العوامل التي تجعل الأسود أفضل. إنها لعبة تعتمد على هزّ الأسس الميتافيزيقية للنصوص بإدخال عامل الشك في طريقة التفكير التقليدية. حاول أن تزيل الحد الفاصل بين المصطلحين المتناقضين، و بذلك يتماهيان في بعضهما، و ينتفي "التمركز الكلمي" لأحدِهما.
عندما ابتدع دريدا التفكيكة فأنه ادرك جيداً ضعف الغة و أبتدع بكل بساطة التفكيكية أنه استطاع ان يضع يده على الثغرات التي أحدثها علم الغة وعندما وجد أن التفكيكة تستطيع ان تزعع حقيقة ما،بمجرد جعلها نصا،تمادى دريدا و جعل من كل شيء نص لغوي ليستطيع التعامل معه على هاذا الأساس
لانه أدرك أن الغة هي الأساس الذي يمكننا منه التواصل و التفكير و ابتداع النظريات و شرحها ...
ادرك جيداً ضعف الغة وكيف انها تمتلك ثغرات واضحه يمكنه أن يستخدامها لمهاجمة أي نص لغوي ...
هنا نتسائل لماذا الغة وهي بتلك الأهمية لينة وهشة ؟؟؟



أن مشكلة الغة تعود من الأساس الى المبداء الذي أسس به علم الغة و القواعد و القوانين التي وضعت لفهم الغة او بمعنى أخر ( دستور الغة ) مشكلة الغة هي ( الأعتباطية )...
دي سويسر هاذا الرجل الذي ادعى أن الغة (نظام لامنطقي )و كما قلنا سابقاً أسس نظام الغة وأسماه با (النظام الأعتباطي) وجعل العلاقة بين الدال و المدلول و المفردة و الأخرى علاقة اعتباطية وهاذا الاعتباط هو الذي جعل المفردات تتنافر عن بعضها البعض وهذه الأعتباطية قادت علم الغة الى مسافة بعيده عن واقعه الحقيقي وجعلت منه نظام غير محمي و تستطيع بكل سهولة خرقه ....
مثال بسيط عندما نؤمن بوجود مترادفات في الغة و أن المفردة يمكننا ان نستخدمها لصفتان مختلفتان عكسيتان فأننا نصنع ثغرة في الغة تجعل من النص غير متماسك أذ يمكن تحريف النص وجعله يراد به معنى غير المعنى الأصلي للنص و قس على ذالك المجاز ، و الترادف ,وغيرها من الأسس
التي وضعت على أساس اعتباطي.

جعل الغة مليئة بالثغرات التي يمكن لأمثال دريدا أستغلالها و صنع من الغة أداة حادة تهاجم نفسها بنفسها ...
وهذه الاساست الأعتباطية التي أفقدت النص مناعته وجعلت من القارئ عندما يقراء نص فا النص يعطيه المجال ليضيف القارء افكاره و فهمه على النص
أذ أن النص شرع أبوابه وجعل من نفسه عرضة لأدخال معلومات أضافية غير التي كتبت من كاتبه الاصلي ونرجع مرة أخرى ونقول أن الحل لمشكلة الغة هو تغيير هاذا المنهج من الاساس وأستبداله بمنهج يحمي الغة و يبرز جلياً مناعتها
و أن للغة حماية ذاتيه وعندها عندما تقراء نص فأنك لن تستطيع ان تضيف عليه شيء لأنه نص متامسك ولا يمكنك ان تفهم من النص الأ ما أراد منه كاتبه...وهاذا المنهج الذي يبرز مناعة الغة أبتدعه أو وضع الأسس الأولية له المفكر العراقي عالم سبيط النيلي (ره)وقراءته الجديدة للغة هي من اروع و اقنع الافكار التي طرحت ...

2 comments:

Ali Al Hamad said...

عزيزي الشهريار,

أنت هنا روّضت الكلمات, لأجل المعاني. ننتظر المزيد منك.

أعجبتني فكرة التفكيكية, ويبدو لي أنها تحتاج لقليل من الممارسة من أجل إتقانها. :)

شكراً فقد فتحت لي بوابة واسعة للاطلاع.

ملاحظة: يستحسن بك تغيير إعدادات المدونة من أجل السماح بالتعليقات لغير مشتركي جوجل.

تحياتي.

شهريار said...

اهلا بك عزيزي أكورد
التفكيكة هيه فلسفة عبثية ولدت لتهاجم العقل البشري ...
لكنها ناتج طبيعي لضعف الغة البشرية
ومن الجميل أن النيلي أستطاع تحطيم هذه التفكيكية ...

أهلاً بك هنا دائماً